| 0 التعليقات ]




لأنّ البّشَر لَا يحسّون بالجمَال حَولهم إلّا برُؤيتهم للقبيح! وما القبحُ إلّا درجةٌ متدنّية من درجات الجمال، والفنّ احتجاجٌ دائمٌ نحو التّنوير ضِدّ أمارات القُبح والهبوطِ المادّي والمعنوي وضّد الاستخدامات "البشعةِ" للإبداع والجمال.

أبدع الله سبحانه وتعالى في "كن" فكانت الكائناتُ ما بين الكافِ والنّون تسيرُ على ناموسٍ كونيّ متّسق النّظام بديعِ البرمجة! من الذّرة إلى المجرّة، فيدور الكون على ساعة فلكيّة منضبطة الثّواني من الومضات الذّريّة إلى السّرعات الضّوئية، وأنفسٌ معدودة بأماكن معدودة لكائنات أيضًا معدودة، الكلّ على نغمٍ موسيقي مضبوط النبضات متوافق الحركات يستمدّ تراتيله من الأنشودة العلويّة الربانيّة الخالدة!

بينما خُلق الإنسان بيدي الرّحمن ونُفخت جوفه الرّوح الإلهية وَحُمّل الأمانة وأودع عقلًا إبداعيا ونفسًا ساميّة وأعطي صفاتً من صفاتِ الرّبوبية فكانَ خلقًا مختلفًا جماليًا مُبدعا حرّا نقيًا عقلانيًا وأخلاقيا، هذا الإنسان من انقسامات النّواة والموادّ السيتوبلازميّة إلى المداركِ العقليّة المتعاليّة خُلق ليُبدع ويجمّل العالم، ليكون خليفة الرّب ليعمّر الأرض بالإبداع الدّائم ويُقيم حضارةً جماليّة ساميّة.

وكانَ الفنّ وكان معه الإنسان يهبط ويعلو معه وبه! وتلازم الفنّ والدين مع الإنسان منذ أن كان، فأخذ الفنّ مواضيعه من الدّين وأخذ الدّينُ قوّته بالفنّ! وحين انحرفتِ العقائد كانتِ الفنون هي الأدواتُ التي استخدمت في تأكيد هذا الإنحرافِ! فكانتِ العمارةُ والموسيقى والدّراما والرقص والشعر والألوان والأشكال هي الوسائل المستخدمة في ذي الإنحرافات السّلوكية والعقائديّة حتى تسهل السّيطرة الكهنوتية على الشّعوب المغلوبة!
فتجلّى الفنّ قبل الإسلام في أبشع صور القبح لإلهاء الشّعوب عن خالقها وكذلك في عصور أوربا الوسطى! وها هو ذا يعود اليوم في أشد الصور بشاعة وأعلاها سوءًا لإلهاء البشريّة عن مهامها الإنسانيّة باستخدامه كوسيلة انحرافية للفسوق والعريّ والفجور والخلاعة!

ففقد "الفنّ" معانيه حين أسيء استعماله وأضحى موصولا بكل دنيّة وهبوطٍ وسقوطٍ في الغوايات! في حين أنّه وسيلةٌ لإبراز الجمال والمحبّة والسّمو وإنسانية الإنسان في خيريّته للأرض! الفنّ بالأصل أداةٌ لمقاومة السّفول والسّقوط في القاع، هدفه الأساسي إنشاء مجتمعٍ أخلاقيّ يقظِ الفكر جميلُ السّريرة عليّ رفيع المستوى والمقام.

الفنّ أصدقُ الشواهِد، فكثيرةٌ هي الحقائق التي حجبها التّاريخ! وكان الفن الكاشف لما خفي عنها، فكما يقول بول كلي "الفن لا يعكس المرئي، بل يجعله مرئيا" إنّ الفن تعبير الشّعوب عن ذاتها لذاتها وبذاتها!

والإسلام أعظم دينٍ غرس حبّ الجمال والشّعور به! فها هو كتابُ الله "القرآن" يبثّ الجمال الكونيّ في لوحاتٍ ربَانيّة رائعة الحسن أبدعتها يد الله المصوّر الذِي أحسن خلق كل شيء وأتقن التّصوير يلفت الأنظار وينبّه العقول والقلوب إلى الجمال الخاص لأجزاء الكون ومفرداته ( مَّا تَرَى فِي خَلُقِ الُرَحُمَن مِن تَفَاوتُ) الملك(3)، ( صنُع اللَهِ الَذِي أََتُقَنَ  كُلَ شَيُ ء ) النمل(33)، إنّه بهذا كلّه وبغيره! يوقظ الحسّ الإنساني حتى يشعر كلّ منّا بالجمال المودع فينا وفي الطبيعة من فوقنا ومن تحتنا، ومن حولنا، وأن نملأ عيوننا وقلوبنا من هذه البهجة الكونيّة والحسن المبثوث.

لذا فمهمّة الفن بالغة الأهميّة في غرس القيم الأخلاقيّة والمداركِ التّربويّة السّامية! والضّبط بين الحتميّة الكونية والحرّية الإنسانية وكما يقول برتولت بريشت "ليس الفن مرآة للحقيقة، بل مطرقة يمكن بها تشكيل الحقيقة" .

والفنّان إنسان مميز الخصال، ذوقي الحِس اصطفاه الله ليكون رسول الإبداع الفنّي والفكر العمليّ بإرادة تستقطب الخير فتتحقق كلمة الإستخلاف وتعمّر الأرض بعبقريّة العطاء!عاملًا لإيقاظ الإحساس بالقيّم الإنسانية في الحق والخير، ويستقيم المرء فنانًا كان أو متلقيا فتستقيم الحياة باستقامته!
وَ دُمتم بفن وجمال !

0 التعليقات

إرسال تعليق