| 0 التعليقات ]




هَذَا الصّباح يبدو كَقِطعَةٍ من الدّفءِ البَارِد، استَيقَظتُ أبحَثُ عَن تفَاصِيلِ الصّوت مُشرِعَةً نَوافِذَ الذَات، أمَام المِرآة وَجدتُنِي مَعدُومَة المَلَامِح فَاستَنكَرتْنِي أنَا !
هَذَا الصّباح أسرعتُ الخُطَى أبحَثُ عَن تَراكِيب حرفٍ ضَائِعٍ أصنَعُ بِه وَجهًا لِي، لَم أجَهّز حَقيبتِي ولَم ألَملِم ثِيابِي إنّما صَليّتُ رَكعتَينِ لله وَناجَيتُه أن يَمنَحنِي غُفرَانًا لأنِي أمُرّ عَلى مُسِنٍ فِي آخِر المُنعطَفِ يَسارًا يَكَاد يَجعلُنِي ألُوم القَدر أمَام جَرِيمَةِ الحَياةِ التِي تَركَته جُثّة مَسكُونَة بِالبَردِ والفَوضَى! لَم أشتَر جَرِيدَة الشّروق وَلا رَأيتُ ما كُتب على "الفَايس بُوك" ولَا شَربتُ فِنجَان حلِيب أعدّته أمّي ولَا أخبَار النّكسةِ وَأصواتَ الخَيبة تابَعتُ مِن ذَاك الجِهاز المَركُون وَسطَ الغُرفَة وَالذِي يَتجَسّسون منه علَينَا دُون أن ندرِي! لَا زِلت أفكّرُ فِي شَرعيّة عَدمِ وَضعِي الحِجاب عِندَ فَتحِي له!


مَقصُورَة القِطَار القَدِيمة تَبدُو كَأنقَاضِ بَيتِ غَارِقٍ/عَالِقٍ فِ اليُتم، فِيهَا كُلّ إزْعَاجٍ مُبَاح حَتّى شَخِير الجُثثِ البَارِدَة وَالحَدِيثُ الصّاخِبُ لأقنِعَة الرّفقَاء، امّا الذّات الفَارّة مِنّي فَدَومًا مَا يُقبَضُ عَليْهَا مُتَلبّسَة بِتُهمَةِ التّمادِي فِي التّفكِير المَوبُوءِ بِقصص الحَيَاةِ المُلَوّثَةِ بِ التّشَرّد والحِرمَان وَصُورة الشّيخ المُسِن الحافِي المُنتكِس وَرَائِحة أخلَاقِنا الإجتِماعِيّة المُتدَنّية،
أمَارِس شَيئًا مِن العَراءِ وَأشتهِي بَردًا يُرخِي سُدولَه علَى كَتِف قَلبي الضّعِيف المُكتَظّ بِمُفرَداتِ الحُبّ والصّدقِ والحَنِين!


أقضِمُ شَفتِي مِن شِدّة الصّقِيع كُلّمَا اقتَربتُ مِن مَدِينَة الضّباب "وَهران" وَألتَفِت لِأجِد القِطَار وَصَل وَأخَذَنِي دُونِي، أفتَحُ قِنَان هَوائِي لِراحَتي يدَيّ المُتَجمّدتَين فَأصَابِعي تَبدو بَارِدَةً كَقَلعَة رُخامٍ جَلِيديّة، أمشِي بِ الطّرقَات المَعجونَةِ بِماءِ البَلل، أنشِدُ بِتَسبِيحي مَطرٌ مَطر، تتغَزّل كائِنات النّدى بِ دخانِ السّياراتِ، أتثاءَبُ أثناءَ عُبورِ الطّريق وَيتّسِخ حِجابيِ الطّويل بِوحلِ الرّصِيف.. وَعِندَمَا أجِدنِي خالِيّة مِن الدّفء خَاويّة مِن الحَرف، يُغادِر "الشّتا" وَتَنزَع وَهرَان عَنهَا مِعطَفَ الصّقِيع وتُوقِد الشّمس عَينَيهَا تَمنحُنِي غطَاءً دَافِئًا وَحُنجُرَة للكَلَام.. حُنجُرَة الشّمس وَصَوتُ الأرضِ لَم يَتَقَاعَد حَتّى الآن!

0 التعليقات

إرسال تعليق