| 0 التعليقات ]

الجُزء الأوّل : من الفَصل الأوّل إلى الفَصل الثّامن


إذا أردنَا انشَاء ذَاتٍ جديدة لإنسان اليوم في العالم الإسلامي وإقامة ركيزَة أسَاسيّة للأمّة المنشُودة فيقتضِي ذلك قبل كُل شيء تَوصيف الدّاء ثُم البحثِ عن عِلاج! لِذلك أمعن المُفكّر الجزائري الرّاحل "مالك بن نبي" في البحث عن علل وأسباب مشاكل التّخلّف المُزمنة في الأمّة، متجاوزًا النّظراتِ السّطحيّة مُتغلغلًا إلى الأعماق! انطِلَاقًا مِن رؤيَةٍ حَضَاريّة شَامِلَةٍ وَمُتَكامِلَة.. وَمَذهَبٍ جديد في التّصَوّر الإسْلَامي الرّشيد.

فمن مالك؟
لَيس المَوضوع مَكانًا للإفَـاضة في شَخصِ مَالك، وَلكن لابّد مِن درَاسة هذا "المَشْرُوع الذِي لَمْ يُكتَشَف بَعد" قَبل الوُلوجِ إلى المَدرسَة الفِكريّة المالِكيّة التّي كان لَها الأثَر الوَاضِح في تَحديد وَصُنع ملَامِح الفِكر الإسلَامي الحدِيث!
لَم يَكُن لِأحد ينتَظر أنْ تأتِي أحدَى مُدن الشّرق الجَزائري المُستعمرة (قسنطينة)، سَنة 1905 بِميلادِ طِفلٍ يَكشِف خُيوط شَبكة الصّراع الفِكري التِي حاول الإستعمار من قبل وَبعد بِمُختَلفِ وَسَائله وَأدواته المُتاحة أنْ يُخفيّها في الظّلَام لِئلا يَطالهَا أحدٌ وَيَظلّ هُو عابِثًا بممتلَكاتِ هَذِه الشّعُوب الضّعيفة حُرًا طَليقًا!!..
فكَانتِ اللّحظَة الحَاسِمَة بِميلَاد الشّعلَة التِي حَطّت عَلى أرضٍ أنهَكَها الإستِعمار وَأثقَلتهَا لَوثة العادَاتِ وَالأعراف! وَهُو الذِي يَقول عَن نَفسه في هذا الصدد:" إن من ولد بالجزائر سنة 1905 يكون قد أتى في فترة يتصل وعيه بالماضي الممثل في أواخر شهوده، و بالمستقبل المتمثل في أوائل صانعيه"..
وَيأتِي هَذا الرّجل الفذ -رحمه الله- كَفانوسٍ مُضيء مَلَأ الدُنيَا بأفكاره، نَاشِدًا الحَضَارة المَادّية وَالمَعنَويّة إنطِلَاقًا مِن طَنجة إلى جَاكَارتا التِي أضَاعها عالمُنا الإسلَامي بَعدَما كانت حَقيقة بَين يَديه في سَديم اللّا أخلَاق وَاللّاوعي واللّامُبالاة، لِيغرقَ بَعدَها فيِ مَتاهاتِ التّخلّف!..

وَلَعلّ أهمّ ما كَتب بالعَربيّة كِتَاب " مُشكِلة الأفكَار فِي العَالمِ الإسْلَامي "، إذْ يَقولُ مُقَدّم الكِتاب عَنه : " هُو زُبدَة مَا انتَج ابن نبي "، يَستَهدِفُ فِيه تَشكيل عَقلِيّة جَديدة لِنُخبَةٍ جَزائرِيّة مُسلِمَةٍ وَاعيّة بِمَصير أمتِهَا وَمُدرِكَةٍ لِجَوهَر الصّراع الفِكري في العَالم، الشّيء الذِي لَم يَكُن سَهلًا في الفَترَةِ التِي أعقَبتِ استِقلَال البِلَاد وَحتّى قَبلَها إذ ظَلّ الأثَر السوسيولوجي للإستعمَار فيهَا، أين عالجَ مَالك الفِكرة وَعنَاصِر وُجودِها وَأسبَابُ ضُعفِها وَمَوتِها!
يُؤكّد مَالك أن مُشكلة الأمة الأولى هِي مُشكلة أفكارٍ إذ يَقول :"والعالم الإسلامي منذ انحطاطه يواجه مشكلة أفكار لا مشكلة وسائل" وَمنْ هَذا المُنطَلق يَرتَكِزُ الكِتاب على ثُلاثيّة ثَابثة : الأفْكَار - الأشْخاص وَالأشيَاء!..

الفَصل الأوّل : الإجابتان عن الفَراغ الكَونيّ.يُعالج المؤلفُ التَبَاين بَين أفكارِ الحَضارات وَأسس قيامها (الفُروق الثّقافية بين الحضارات) مُرجعًا ذَلِك إلى اختِلَاف طُرقِ التّفكير مُوضحًا المَوقف بِقصّتي "حي بن يقظان" و"روبرنسون كروز" إذ تُمثّل الأولى العالم الإسلامي وَتصوره الرّوحي بَينمَا تَميل الغربية إلى المَادّية أكثر.

الفَصل الثاني : الطّفل والأفكار.يناول هُنا الكاتب تَدرّج الطّفل في العوالم الثّلَاث : الأشياء - الأشْخَاص - الأفْكَار، وركّز على علَاقة الفِكرة بالشّيء، متمًا قصّة "بن يقظان" الذي ملك الشيء فبحث عن الفكرة بينما "روبرنسون" فَعل العكس، مُبينًا بذلك أن الفكرة هي وسيلة وهدف، وأنّها تختلف من فردِ لآخر، ضف إليها عُنصر تأثير آخر عليها وهو المُجتمع الذي يخضع لقوانين وقواعد وَ"وكلما كان المجتمع مختلّاً في نموِّه كلما زادت قيمة الضريبة" كمَا يختم مالك في تغيّر الفكر والشعور عند الإنسان ( التطور والإنحسار).

الفَصل الثالث : المُجتمع والأفكار.تمرّ المُجتمعات أيضًا بالعوالم الثّلاث السّابقة، فَحياةُ المُجتمع كَحياةِ الإنسَان وتعامله مع العوالِم تمَامًا كتعامل الفرد معها!
الدورة الحضارية (قبل التحضر- التحضر - بعد التحضر ): نستطِيع بِشكلٍ جيّد تحديد فَترة الشّيخوخة (ما بَعد الحضارة) التي تأتي حين يطغي الإهتمام بالأشخاص والأشياء، وَفترة الميلاد (ما قبل التحضّر) التي تظهر بظهور "الفكرة التغييرية"، ويُحدد أيضًا مَالك نقطة الإنحطاط الحضاري والإنكفاء المُتوازية مع جَمادِ الفِكرة وَتقهقرِ العالم الإسْلَامي إلى الوَراء كما يَقول :"المجتمع ما بعد التحضر ليس مجتمعا يقف مكانه،بل هو يتقهقر إلى الوراء بعد أن هجر درب حضارته وقطع صلته بها".

الفَصل الرّابع :الحضارة والأفكار.تناول الكاتب نقطةً مُهمّة "الأفكار الدّافعة" التي أنتجتْ حضاراتِ الأرضِ كُلّها بِما فيها الحضَارة الإسْلاميّة، وَمما لا شَكّ فيه أن مَدى دَافِعيّة الأفكارِ وَعُمرهَا يَختَلِفُ مِن مِثَال لِآخر، وتَرتَكِزُ أيضًا علَى عَوامِل مُسَانِدة (الأشْخَاص والأشْيَاء) وَقُوة الأفكَار وَالقُوّة الإلهيّة الدّاعمَة كَحضَارتِنا الإسْلَامية الرّبانية التي مَا إن تُقام بِأيدي أبنَائِها إلّا وَيُباركُها الله..
وَيُضيف أيضًا "الشّكل البياني" مُوضحًا الوَاقع التارِيخي للمُسلمين، وَيُردِف بِمسؤوليّة المُجتمع تجاه الفَرد وَدَوره في صِنَاعة الحَضَارة.

الفَصل الخَامس : الطاقة الحيوية والأفكار.الطّاقة الحَيويّة هي الدزافع الغريزية الفطرية في الإنسان ( التغذية، التملّك، التناسل)، إذ تُمثل مِعول بناءٍ ( إذا ما قُننت الدّوافع الغريزيّة وَحصرت في أطُرٍ مَقبولة لا تُنكرهَا إنّما تَكبحُ جِمَاحهَا) أو عَامل هَدمٍ إذا ما أفرِط فِي تحرِيرهَا وإعطائِها حُرّيتَها، مُقارنًا بذلك مُجتَمعين ( المدينة - أمريكا ) وَأثر الخلفيّة الثّقافية في الفرد.

الفصل السّادس : عــــــالم الأفكار.الأفكار الرّائِدة النّموذجيّة : القوّة الأخلاقيّة وَالدّينية كَعلاقَاتِ الفَردِ وَإدارَة أمّته وَهي أفكَارٌ متوارثَة جيلًا عن جيل بَلا تعْديل.
الأفْكَار التّقنِيّة العمَليّة : التي تُوجّه الأفكَار الرّائدة وَالنشّاط المَتبوع.
وَلا حَضَارة تَقُوم إلا بالإهتِمَام بِكلا النّوعين، التي تَستَنِدُ في بِدَايَاتِها لِقيّمٍ مُقدّسة ثُم تتنَاقَصُ تَدريجيًا مع مُرور السّنين لِيُصبح المُجتمع مهتمًا أكثر بالأفكار التّقنية العمليّة الزّمنية أين يبدأ اندثار الحضارة :
1)المرحلة الأخلاقية" الأشخاص"
2)المرحلة المنطقية" الأفكار"
3)المرحلة التقنية"الأشياء"
والأفكار التي تتعرّض للخِيانة تنتقم لنفسها كما شرح مالك ذلك في مِثال قرطاجة وخيانة أهلها مبادئهم.

الفصل السابع : الأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة.ممثلُا الفكرة في الأسطوانة الموسقية القديمة التي لَها أنغامٌ أساسيّة (أفكار مطبوعة) وَتوَافقات خَاصّة إضافيّة غير رَئيسيّة (أفكار موضوعة) والفرد يمثّل يمتثل للشكلِ العام لنغم الموسيقى وتتَشَكّل ثقافته وعالم أفكاره بِصورة لا تَخرج كثيرًا عن النّغمة الأساسية ومثاله في ذلك دقيقٌ إذ لكل فردٍ في المجتمع "ستايله" الثقافي الخاص.
ثم يتطرّق إلى انحسار الصّوت وزواله عاكسًا بذلكَ صمْتَ أفكار المُجتَمعِ وَاستيراده لأفكار غيرهْ الغريبَة حينَ حينَ يبتَعِدُ عن أفكَاره المطبوعة.

الفَصل الثّامن : جدليّة العالم الثقافي.يتَحَدثُ بن نبي فِي هذَا الفَصْل عنْ فِكرَة التَحرّكِ الثّقافِي وَإمكَانِيتَها ومحَركاتها (الأفكار – الأشخاص – الأشياء) وعنْ العَلاقَة الطّردِية بيْنَ هَذِه الأمُور وَما يَحْدثُ في حَالاتِ مَا بَعدَ الحضارة من تحرّكاتٍ في مِحْور من هذه المحَاور يَكُون لَه الأثَر المُحفّز للأمة للحضارة ككل. وَيعُود إلى أسباب الفَشَل وَالمُعوّقات التي أخرتِ العالَم الإسْلَامي عَن الإقلَاع وَالإتهاماتِ التِي تتبادَها أطراف النّزاع : فَيَعزُو البَعض سبَب التأخر إلى الإسلام (العلمانيين) وَيرجع سبب اتهامهم هذا إلى سطحيّة نظرتهم للإسلام كأشياء وكأشخاص لا كأفكار حيويّة.. وهم خطرٌ كامن لأنهم عبر التاريخ المعاصر للعرب وللمسلمين يفرضون أفكارهم بالقوّة ويشكلون مصدر خطر ومعول هدم في الأمة.. أما الطرف الآخر فَيُرجِعه إلى الاستعمار وترتباته المشابهة للاستعمار في واقعنا الحالي (المتواكلين) والذي أدرج نفسي وغالب المسلمين فيه فمشكلته الأساسية أنه يتهم ولا يقوم بوضع حل سوى تبرئة نفسه من التهمة.
كَما يأتي مالك على مُشكلة النّقد فِي طَبيعة الثقافة الحاليّة المشوّهة للإسلام, وَكذلك عن طغيان الأشياء على الحياة في العالم الإسلامي.





وللتّلخيص تتمة!

0 التعليقات

إرسال تعليق