| 0 التعليقات ]


“لا يَجِبُ أنْ تَخاف الشّعوبُ مِنْ حُكُوماتِها، الحُكومَات هِي التِي يَجِبُ أنْ تَخَافَ مِنْ شُعوبها!”


ليس عنوان مقال سياسي جريء، أو نص صَحفي مُطارد مِن دول العالم الثّالث، أو كلمات تتفوه بها شفتا مُواطنٍ دائم للحكُوماتِ الدّكتاتوريّة، إنّما عنوانٌ لفلم الثّأر “V for Vendetta”، فيلمٌ سينمائيْ يحملُ تحريضًا سياسيًا على ظلم الطّغاة والفاسدين، ويعدّ أهم الأفلام السيّاسيّة التي ظهرتْ خلال السنين الأخيرة, التي وضعتِ الطّرح السيّاسي بكل فجاجته وجفافه في إطار فلم جميل محكم لا يُجنح فيه إلى الخطابة والطّنطنة المملّة، إنّما يميل إلى تصوير الموضوع بطريقة سلسةٍ ممتنعة.
تُستلهم شخصية البطل من حياة ثائر حقِيقيْ عاش منذ 400 سنة يدعى Guy Fawkes سعى مع مجموعة من الكاثوليك إلى إنهاء حياة الملك جيمس الأوّل داخل مبنى البرلمان الإنجليزي بعمليّة تفجيرية احتجاجاً منهم على القوانين البوتستانتية التي أقرّها الملك في حين أن الشّعب عارضها، إلّا أنه ألقِي القبض على Fawkes في الخامس من نوفمبر قبل تنفيذ عمليّته وقتل شنقًا!
الفيلم دراماَ سياسيّة سوداء مغلفة بمشاهد الأكشن وان لم تكن بإسرافْ، تتشكّل أحداثُها في مستقبل بريطانيا (2038) بعد حرب بيولوجيّة رهيبة نتج عنها صعود الحزب الفاشي إلى السّلطة وإنشاء نظام ديكتاتوري حُظر فيه التّجول وَقمعتْ فيه الحريات وَكممتْ وسائل الإعلام. يَظهرُ فيه الثّائر لإتمام ما بدأهُ Fawkes، والثائر هو البطل (V), وهو رجلٌ يتلثّم بقناع بلاستيكي وابتسامة ساخرة يعيش تحت الأرض وسط الكتب والموسيقى واللّوحات الفنيّة الممنوعة من بين ما تمنعه الأنظمة من فكر أو دعوة للتفكير والإحساس, يَلتَقِي صُدفَة بِـ(evey) في محاولة لإنقاذهَا من رجال الملك وهي ابنة ناشط سياسي في عداد المفقودين الديمقراطيين وصحفية تعمل بقناة BTN الوحيدة ثم تصبح مساعدته إلى أن يُوضع لها كمينٌ وتدخل السّجنْ، معرّضة للتعذيب أيامًا عديدة لإرغامها بالاعترافْ بمكان (V) لكنها تُفضّل الموت على فعل ذلك بعد أن تقرأ سيرة ذاتيّة لإحدى السّجينات السّابقات مليئة بالدروس كانت قد كتبتها في أوراق الحمام لتترُك أثرًا لمُرورها في هذه الحياة! وفي الوقت نفسه يحقق المفتش FICH في قضيّتهما ويتعمق في معرفة أصولهم وكيف وصل الحزب الفاشي إلى السّلطة.
“قبل 20 سنة عانت بريطانيا الفتنة والصّراع بعد مشاركتها في محاربة الإرهاب، حينها نفذ المحافظ الفاشي حلًا مُعتمدًا على عمليّات قمعٍ للتّخلص من أعداء الدولة: الأجانب والمسلمون والمعارضون الذي تمّ احتجازهم في معسكراتٍ خضعوا فيها لتجارب طبيّة ولقوا حتفهم في نهاية المطاف، ثمّ ظهرَ الطّاعون البيوارهابي آخذًا معه أكثر من 100000 ضحيّة سرعان ما اكتشف شركة الأدوية Norsefine التّابعة للحزب الفاشي لقاحًا مضادًا، ما أنعش مداخيل الحزب والصّعود به إلى كرسي السلطة بعد الفوز بالانتخاباتْ” ويتوصل المحقق أن الطّاعون كان مؤامرة من الحزب وقد وضعت شركة الأدوية التّجارب على البشر غير المرغوب بهم المحتجزين في معسكرات larkhil وكان من بينهم (V) الذّي استطاع النّجاة والاحتفاظَ بقُدراتٍ عقليّة وجسميّة فائقة! هذه الأخيرة ساعدته على تفجير المعسكر والهروب ثم العودة للانتقامِ من النّظام.
5 نوفمبر هو موعد العمليّة الأخيرة، أين تمّ قتل المستشار الأعلى Adam Solter ورئيس المليشيا Petter Creedy ونهاية الثّائر (V) وسط دِمائِه في محطّة فيكتوريَا! ليخرُج بعدها المُواطنون يضعون قناعه ويلبسون زيه يَجتاحُون شوارع بريطانيا فِي مظاهراتٍ سلميّة.. فَتحتَ ذَلك القِناع كَان أكثر مِن جَسد، تَحتَ ذلِك القِناع كَانتْ فكرَةٌ تنتَفِضْ!
***
بَعيدًا عنْ هذا، المَلِك هُو المَلِك فِي كل زَمانٍ ومَكان وكذلك الثّائر بَشرٌ ينْتَفِض ثمّ يتحوّل إلى فكرة، لا تَستطيعُ السّجون والمشانقُ تَعذِيبها وَالوصول إليها أو التّأثير فيها.. النّظام لَنْ يَستَطِيع مُطارَدة فِكرة والقَبضَ عليهَا وَالزّج بها فِي السّجون أوْ شنْقَها! الأفكَار لَا تنْزِف وَلا تَشعُر بِالألمْ بَل تتَحرّر مِن بَشَرِيّة الثّائر الضّعيفةِ لِتصِير “فِكرةً” يَتداولُها النّاس سِرًا وعلَانيّة، هَمْسًا وَكِتابَة وَعبر رَسائِل النّت وَمُكالمَاتِ الهَاتفْ! أمامَ سَيْطرَة الفِكرة العَادلَة علَى الشّعوب لَنْ يَغدُو الثّائِر مُشكلة السّلطة فَقدْ سَرتِ الفِكرةُ في شَرَايينِهم وَاقْتاتْ قُلوبهُم وَعقُولهُم وَأُطعِمتْ دِماهُم غَذَاءً مُقدّسًا! حَتّى غدَا الشّعبُ نَفسُه مُشكلَة السّلطَة وَلنْ يَقوَ دكتاتُور التّخلّص من الشّعب كلّه وَإنْ كَانَ يَتمنّى ذلك!
“Mr. Dascombe, what we need is a clear message to the people of the country! This message should be read in every newspaper, heard on every radio, seen on every television. This message must resound throughout the ENTIRE INTERLINK! I want this country to realize that we stand on the edge of oblivion! I want every man, woman, and child to understand how close we are to chaos! I WANT EVERYONE to remember WHY THEY NEED US! ”
إنّنا بِحاجةٍ إلى زَرع أفكَارنَا وَأحلامِنا فِي أفئِدة النّاس، بحاجةٍ إلى إحيَاءِ النّفوسْ، بِحاجَةٍ إلِى اسْتِقوَاءٍ على الضّعفِ فِينا وَحولنَا، إننَا بِحاجَةٍ إلَينَا جَمِيعًا لِرسمِ المُستَقبَل المُشرِق بِأيدِينَا مَعًا!

0 التعليقات

إرسال تعليق