| 0 التعليقات ]

أيَ فَرحةٍ تِلْكَ التِي أطَلّتْ بِوَجههَا علَى الشّيخِ المُهاجِر الذِي غَادر كُلّ مألوُفٍ لَه فِي مَاضي حَيَاتِه وَكُل مَا يَشُدّه إلى الأرض التِي نَشَأ فِيها، لِيتّجِه إلى الله يَسأله الذّريّة المُؤمنة والخَلَف الصّالح وَهُو ينتظِر سَاعة الوَضعِ فِي لَهفةٍ وَيتَرَقّب النّبأ السّعيدْ وَقَلبُه يَخفِقُ إجْلَالًا لله المُجِيبْ..
أيّ أنْسٍ تَهطِلُ بِه الحَيَاة علَى الأبِ الوَحِيد المُفرَد الذِي تَرَكَ وَرَاءهُ أواصِر الأهلِ وَالقُربَى والصّحبة وَالمَعرفَة، وَهُو يُرزَقُ فِي كِبرِه وَهرَمِه بِغُلامٍ حَليمْ، طَالمَا تَطَلّع إليه وَلهِجَ قَلبُه بالدّعاء!، هَاهُو يَشهَدُ تَفتّح صِباهْ أمَامَ نَاظِرَيْه فَيُرَافِقَهُ فِي الحَيَاة وَيَكُون لَه سَندًا!
أمَامَ هّذَا المَشهَدِ البَاسِمْ، بَعْد أنْ يَأنَسَ وَيسْتَرُوح بِهذَا الابن الوَحِيدْ، بَعدَ أنْ تَعلّقتْ بِه رُوحه وَفُؤادُه! تَأتِيه إشَارَةٌ إلهِيّه .. "إنّي أرَى فِي المَنَامِ أنّي أذْبَحُكْ..

لَيْسَ الأمْرَ سَهلًا أبَدًا، وَلنْ تَستَطِيع مُفردَاتِي الهَزيلة أنْ تَأتِي بِالمَشَاعِر التِي أحاوِلُ اخِتزالهَا هُنا.. لَكِنّها لَيسَتْ تَجْرِبَةً نَظَريّة، إنه لَنْ يُرسِل ابنه الوحِيد إلى مَعرَكة يُدركُ نِهايَتهُ فِيهَا.. لَا لَا.. إنَما إنمَا سَيتَوَلّى ذّبحهُ! لَا أدْرِي هَل أحدٌ يُحِس بِما أقُول وَأشعُر .. هَل أحَدُكم أدرَك مَعنَى الجُملةِ السَابِقة؟ وَمَع هذَا يَتَلقّى الأمرَ بِرضَا وَيَسْتَجِيبُ للنّداءِ الرّبَانِي وَيُلَبّي هَاتِفَ السّماءِ بِلا انزعاجٍ، يَسْتَسلِمُ لله بِلا جَزعٍ وَيُطِيعُ البَارِئ بِلا اضطِرَابٍ!
الله أرَاد وَلَنْ يَكُون إلّا مَا يُرِيد الله .. ثُم يَعرِضُ الأمرَ علَى ابنِه بِتَرَوٍ، فَمنْ حَقّه أنْ يَعلَم؟ لَا الأمْر أعظَمُ مِنْ ذَلكْ! إنّه يُرِيدُه أنْ يَتَذَوّق الطّاعَة وَحَلاوَة الإسْلامِ لله! فَيتلَقّى هُو الآخَرُ فِي رِضَا وَيقِينْ!

إنّهَا أرْقَى صُورَةٍ فِي الاستسلام الخَالصْ والامتثال الطّاهرْ والنّقاء وَالبرَاءة والاستقامة .. إنّها أجمَلُ لَوحَةٍ فِي سَلَامَةِ القَلْبِ وَصِحّة العَقِيدَة وَخُلوصِ الضّمير.. إنّه نُبل الطّاعة وَعَظَمَةُ الإيمَانْ وَطُمَأنينة الرّضَا وَرَاء كُلّ مَا تَعارَفَ عَليهِ بَنُو الإنْسَانْ أمَامَ شَبحِ المَوتْ!..
فَلَما أسْلَمَا وَتلّه للجَبينْ، أسْلَماَ، إنّها حَقِيقةُ الإسْلَام، الثّقَة، الطاعة، الطّمأنينة، والرّضَا وَالتّسلِيم وَالتّنفيذْ.. إنّه الاستِسلام الواعِي المُتعقّل القَاصِد المُطْمَئنْ.. بَلْ أعظَمْ إنّهالرّضَى الهادِئ المُستَبشِر المُتَذَوّق للطّاعة وَطَعمِها الجَمِيلْ!

يَا الله! تُخْرِسنِي الدّهشَة دَائِمًا أمَامَ هَذا المَوقِفِ العَظِيمْ الكَرِيمْ الفَرِيد فِي حَيَاة سَيّداي ابراهِيم واسماعيل –عليهما السّلام-، إنّهما المَثل الحَي المُوحِي الذِي يَعرضُه الله لَنَا لنُدرِك الإمتثال وَحقيقة الإسْلَامْ .. لِنتَعلّمَ أدَبَ الحِوَارْ وَمَعنَى الطّاعة!!..
هُناكَ أشْيَاء لا تَقبَلُ التّوقُف عَنِ النّمُو وَلا تَقْبَل التَعامُل مَعهَا عَلى أنّها آخِرُ حُدودِ الإستِطَاعة.. وَجِهازُ المَنَاعَة خاصّتِي لَا يَقْو السيطَرَة عَلى ثكَاثُر سَرطَان الأسْئلَة بِرأسِي، لَكنْ!..

لِمَ لَمْ يَسألْ إبْرَاهِيمُ رَبّه "لِماذّا يَا رَبّي أذْبحُ ابنِي؟"، وَلمَ لَمْ يَقُل اسماعِيل لِأبيه "هَل أنتَ متَأكِد أنّي أنَا الذّبيح لَا شَخصٌ آخَر يُشبهُني؟!!" فِي تِلْك الرُؤيَا التِي لَم تَكُ أمرًا صَريحًا ولَا وَحيًا مُبَاشرًا! وَنحنْ دَائِما نُردد دَائِمًا أمَام "النّكيساتْ" –جذرٌ نونِي لكَلمَة نَكسة- التِي تَعتَرِضُنا .."عَلاه يَا رَبي؟ شَاهَاد الزّهرْ؟ زَمانْ الهَمْ!".. الله لا يُرِيد أنء يُعذبنَا بِالإبتِلاءْ، إنّما يُرِيدُنا أنْ نَأتيه طَاعِينْ مُلبّين مُستَسلِمينْ فَإذَا عَرفَ مِنّا الصّدقْ –وَهُو العَليم- أعفَانَا مِن التّضحِياتْ وَاحتَسَبَها لَنَا وَفَاءً وَأدَاء!

أطْفَال الحَيْ كُلّهم يُدركُون أنّ الغد عِيدْ، ووَرشْ يُدرِكُ أيضًا أنّ غَدًا نَذبَحْ "بَعِيّة"، هَل جَلسَ أحدُنَا وَأفْهَم أبنَاءَه حَقِيقة هَذا الحَدَثِ الذِي تُمارِسُه الأمّة كُل سَنةٍ كَ عَادَةٍ وَلا تَشْعُر بِشَيء!؟..


كُل عِيدٍ وَأنتُم مُخْلِصُون.. ممتَثِلُون، بِالطّاعَةِ مُستَمتِعُون!

0 التعليقات

إرسال تعليق