| 4 التعليقات ]

أجلسُ فِي المَسجِد كُل جمعةٍ أتابِع الإمَام الخطِيب وَهو يمتَطِي صهوَة خطبته فِي درسٍ إيماني أغفَل عن مَضمونه وألتصِق بِسقطات الإمام النّحوِيّة واللّغوِيّة، أحاوِل العَودَة وَالتدبّر في معنى الكلَام لكِنّي أجدني أكلّم نفسي فيمَا يجب للإمام أن يقوله وَما لا يجِب وَهنَا كَسرةٌ بدل ضمّة ولا تفارق فِكري جُملة ( المفروض أن ..)
أعود بعدهَا لمتابعةِ الأخبار مع شقيقتِي فتحجز كلانا تذكرَة لرحلة عبر ساعَةِ المذيع ومَلابس الفتاة الشّقراء التِي جنبه ومكياجها وقصّة شعرهما ولا نستفيق إلّا وقد فاتنا الخبر تحت ثَرثرةِ ( المفروض أن ..)
نقلّب القنوات فيشّدنا مسلسلٌ دِينيّ عن صحابيّ أو تابعيّ فيخذلُنِي فكري ويأخذني عقلي إلى أخطاء الإخرَاج وَما أراه واجبًا تَوفره وَما هو لزامٌ عمله أثنَاء التّصوير .. الإضاءة هنا خافته، تلك الممثلة لا تجيد دورها، فتفرّ الفكرة المحوريّة من بين أنامِل المتابَعةِ! يشتطّ بي الأمر في أخطائهم اللغويّة فأمسي أفكر بصوت مرتفعٍ وَأفسد نكهة المتَابعة على أسرتِي في مرارة وَأقوم قبل أنْ يصدر قرارٌ من الهيئة العليا للمنزل -التي تفضّل السّكوت من باب "مالناش دعوة دعِ الخلق للخالق- بعدم متابعتي لأي شيء يبثّ على شاشة التّلفاز بسبب ( المفروض أن ..)
أجلسُ على النّت أقرأ خاطِرة مُميّزة جَميلة المبنى عميقة المعنى! ما إن تقع عين فكري على هفوة بالنّص إلّا وتلغي الجمال المتجسّد في الموضوع وتغربُ اللّذة المختلقَة تحت سوطِ ( المفروض أن ..)
بعدها تخبرني صديقتي في "المسنجر" عن محفل مرتّب جميل ثمّ إذ بها تضِجّ ( المفروض أن ..) فتلغِي كُلّ ما أنفقَ من مالٍ وجهد في ترتيب الحفل وتنسِيقه!..

أجد عقلي دائما يحشر أنفه في معظم ما أشاهد أو أسمع، أحيانًا أجدني على صواب وأحايين أخرى أجدني أتأمل كما يجب قبل أن يثور ( الشخص الناقد ) المتضخّم في ذاتي فيقول ( المفروض أن ..) وهذا لا يتعدى أن يكونَ حالة من الإنزعاج وعدم الإرتياح لما حولنا إذ أننا آمنّا أن الجميع مذنب حتى تظهر براءته وَقد دفعتنا ممارسات الإعلام الخاطئة إلَى تبني فكرة النّقد ودبلوماسيات الناقد فمثلًا أحيانًا ننتقد من باب التعاطف، فلو حكَت لِي صديقَتِي عن la chaine في البنك أو ربما مشاكل النّقل، لتعاطفت معها وبدأت في إنتقاد بنوك العالم ومواصلاته ولكنت واسيتها بالكثير من العبارات الناقِدة التي تريحها وتجعلني وفيّة في نظرها مَع كونِي متأكدةُ أن روايتها تحمل الكثير من المبالغات!..
النّقد ( critique ) هوَ النّظر في قيمَة الشّيء وعدم قبول الرّأي الآخر قبل التّمحيص، وَهو أيضًا تعبيرٌ من شَخصٍ يسمّى "ناقد" عن سلبيّات وإيجابيّات أفعال أو قرارات يتّخذها الإنسان أو مجموعَةٌ من البَشر في مختلفِ المجالات يذكرُ مكامن القوّة ومواطِن الضّعف وقد يقترح أحيانا الحلول..
أمّا ( المفروض أن ..) فتح لباب الحوار الخارِجيّ الإجتماعي وحتى الحوار الذّاتي الدّاخلي طبعا مع أخذ الإعتبار أننا لا نملك الخبرة الكافية في أغلب الأمور التي ننتقدها أو حتى نبدي إعجابنا بها فلو أن الناس لم يتحدّثوا إلا فيما يفهمونه فقط لبلغ السّكون حدا لا يطاق ثُمّ إنّها واحدةٌ من أهم مفاتيح التخاطب البشري في الوقت الحاضر ربّما كمحاولة في تقدِيس الذّات وإثبات الوجود بنقد الغير.. وَلا ندري أهي زيادة شحناتِ الوعي أم زيادةٌ في شُحناتِ الفضول؟!..
قَدِ إستحال النّقد إلى أداة هدّامةٍ تفسد علينا إستمتاعنا بحياتنا وبما نشاهِده أو نسمعه وَذلِك لَيس عَيبًا فِي النّقد ذاته سلبيًا أو إيجابيًا لكِنّنا ننتقِد بعموميّة ودون علم المنتقد أو إعطاءه حقّ الدفاع عن نفسه، نقد الوزارات أو الإعلام أو "فلان" من النّاس لم يكن بعلم أحدٍ منهم فقط أراد المنتقِد أن يجد "سالفة" في الجلسة فدأب ينتقد ولكنّه لم يتخذ خطوة شجاعة فيرسل خطابًا بمُلاحظاته للمُنتَقَدِ!
لماذا دائما نكون نقّادًا ؟
ولماذا نجعل النّقد يفسد علينا الجمال والإستمتاع بما هو موجود؟
ومن المسؤول عن تضخّم الشّخصيّة النّقديّة في ذواتنا؟
ولم الجميع تحت النّقد إلّا ( الأنا )؟
وَالسّلام علَيكُم ..!

4 التعليقات

محمد والي يقول... @ 16 مارس 2010 في 9:22 ص

كلمات رائعة تجسد شيئا في داخلي كذلك ...نعم ربما وأنا في المسجد دائم النقد لكن ليس من ناحية النحو والصرف لاني كذلك احيانا اكون مجرم في حق اللغة لكن مايشدني هو فكرة الموضوع وطريقة الطرح الى جانب المواضيع المستهلكة التي استغرب اعادتها بنفس الطريقة والاسلوب بعيدة عن التجديد والابتكار في الطرح وأبدأ في المفروض بتاعي
شكرا اخت سارة على هذه الكلمات الممتعة التي جسدت فيها واقعا عند اقلية فقط وفقط من البشر ممن تتمتع بروح النقد البناء

سعودي فيصل يقول... @ 25 مارس 2010 في 11:32 م

ما الفرق بين "المفروض أن" وبين "المفترض أن" ؟

سارة محمد يقول... @ 27 مارس 2010 في 1:02 م

أكيد أخي محمّد!
أعتَقِد -هَذَا إن لم أقُل المَفروض أن - تتغَيَر طَريقة الأئِمة فِي طرحِهم لتتَلَاءَم وَمعطَيات الجيل الشّبابي الذي يُمثّل الشّريحة الأكبر في الوطن! وَصِناعة لغَةٍ جَديدة أكَثرَ وُضوحًا وَأشَدّ تأثِيرًا..

بَارَك الرّحيم بِكم وَشَكر لَكُم تَواجُدكم،:)

سارة محمد يقول... @ 27 مارس 2010 في 1:04 م

لَفتَةٌ طَيّبة أخي فَيصل,
المَفروض إسم مَفعول لِفِعل ( فَرَض) نَقُول فرضَ الشّيء أي أوجبه وَ قَوله سُبحانَه وتَعالَى : "سُورةٌ أنزَلنَاهَا وَفَرَضنَاهَا" فمعناه إنّ الحَقّ سُبحانه فرضَ فِيها فُرُوضًا وَألزَمنا بِالعَمَل بِهَا!
أمَا "المفترض أن" فهِي إسم مَفعولٍ لـ فعلِ "افترض" بِالنسبَة لله إذا افتَرَضَ شَيئًا أي أوجَبه أمّا للبَشر كَقولنَا "افترضَ أنّه كَذَا " بمعنَى هب أنه أو اجعل كأنه كذا وَمِن الأصَحّ أن يَكون المَوضُوع "المُفترضُ أن"

لَكِن استعمال كلمة "المَفرُوض أن" هوَ السَلطَة الدّاخلية الثّائرة التِي لَا تَرى جَانِب الحَقّ إلا معَها وَالأنسبُ لَها أنَها تَفرِضُ لَا تَفتَرِض!
هَذا والله أعلى وَأعلم! فَمَا عَاد يَربِطُني بأصُول العَربيّة إلّا الجيل,

إرسال تعليق